موضوع: اطفالنا والموت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الأحد يناير 31, 2010 5:44 pm
يتعرض الطفل لمفهوم الموت بشكل يومي، سواء بشكل واقعي من خلال موت أحد الأقارب أو الأصدقاء أو حتى حيوان أو نبات. أو من خلال شاشات التلفزيون التي تعج بأخبار الدمار والقتل. وقد يتعرض له بشكل وهمي من خلال أفلام الكارتون التي تركز على العنف والقتل والخراب. من تلك المواقف تتكون لدى الطفل عدة تساؤلات عن هذا المفهوم وسببه وغايته ومصير الموتى إلى غير ذلك، وإذا أجيب على أسئلته هذه بطريقة مناسبة، فإنه يهدأ ويرتاح معرفيًّا ونفسيًّا، وبالرد على أسئلته بما يناسب سنّه نستطيع حمايته من المخاطر التي تتولد من صدمة الموت إذا ما حلّ قريبًا منه.
تطور مفهوم الموت
وحتى يسهل تواصل المربين مع الأطفال، لا بد أن يدركوا خصائص كل مرحلة من مراحل نمو الطفل بصفة عامة وخصائص تطور المفاهيم عنده بصفة خاصة، حتى يتمكنوا من التعامل معه على قدر نموّه المعرفي والاجتماعي. والموت بالنسبة للطفل يتميز بعدة خصائص، منها أنه: - غير طبيعي: فلا يموت الإنسان بدون سبب أو لأن أجله انتهى، بل يجب أن يكون هناك سبب وراء ذلك. - مُعْد: قد ينتقل إلى الأشخاص الآخرين مثل الأمراض المعدية. - ذو صفة انعكاسية: أي أن الميت يعود للحياة؛ لأن الطفل ببساطة يحتاج إليه. المرحلة الأولى: من الولادة إلى ثلاث سنوات: يتخذ الموت عند الرضيع شكل الفراق فقط، أي مفارقة الشخص، وهذا يحدث لديه ما يسمى بقلق الفراق، وهو يتكون من ثلاث مراحل: الاعتراض واليأس، ثم الانفصال وعدم التعلق. فالطفل ينتظر عودة الوالدين بشيء من الغضب والخوف؛ لأن الموت بالنسبة له غير موجود وهو مواز لمفهوم الغياب، والطفل في هذه المرحلة ذو تفكير (عياني) لا يثيره إلا الغياب الجسدي ولا يستطيع تصور فراق لا يمكن معالجته. المرحلة الثانية من ثلاث إلى ست سنوات: فيها يصل الطفل إلى إدراك مفهوم الموت، لكن مع الاعتقاد أنه لا يصيبه ولا يصيب من يحبهم؛ لأنه يعتقد أن حبّ والديه سيحميه من الموت وأن حبه سيحمي من يحبهم. كما يعتقد أن الموتى سيعودون للحياة، فمفهوم الموت والحياة لم يصبحا بعد متناقضين عنده. المرحلة الثالثة من ست إلى عشر سنوات: في هذه المرحلة يكتسب مفهوم الموت عند الطفل طابع اللاعودة، فالطفل يستطيع في هذه الفترة فهم ما يقال له عن الموت، كما يستطيع الحديث عن الموت ويفهم أن الموت شيء حتمي لكل إنسان. يبدأ الطفل في هذه المرحلة في التعامل مع ما يسمى بقلق الموت، فقد تحدث له رؤية موت حيوان ما مواجهة شديدة مع الموت. المرحلة الرابعة من 10 إلى 13 سنة: في هذه المرحلة يتطور فكر الطفل من الفكر (العياني) إلى الفكر المجرد، مما يخول له التفكير في معنى الحياة ويبدأ في طرح تساؤلات حول الموت وحول موته وموت والديه. من خلال تسلسل هذه المراحل نرى أن مفهوم الموت بشكله الصحيح لا يكتسبه الطفل إلا متأخرًا نسبيًّا، حيث لا يبدأ بالتعامل معه بشكل معمق إلا بعد سن العاشرة، لكن هذا لا يعني أن الطفل كان يجهل المفهوم قبل ذلك، بل بالعكس، فهو يشكّل له خبرة مزعجة، حيث يرتبط عنده بالغياب والانفصال في المراحل المبكرة من حياته. إن الطفل وهو يمارس لعبة التظاهر بالموت أو لعبة رمي أحدهم برصاص مسدسه، إنما يرسل رسالة للمحيطين فحواها "إني أرغب في معرفة الرابط بين الموت والحياة". إذن فكيف نحقق للطفل رغبته ونشبعها له قبل أن يجد نفسه وجهًا لوجه أمام الموت؟.
فكرة الموت.. كيف نوصلها؟
بعد معرفة سمات المراحل العمرية يتيسر وضع إستراتيجيات مناسبة لبناء المفهوم لدى الطفل، فالموت يرتبط لدى الطفل في مراحله الأولى بالغياب والانفصال؛ لهذا يجب قلب الرابط من: موت = غياب، إلى: موت = لقاء، وذلك عن طريق جعل الموت هو القنطرة التي ستوصلنا إلى لقاء الأحبة وأولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نربط اللقاء أيضًا بالجدة أو الجد أو غيرهم من الشخصيات المحبوبة لدى الطفل وقد توفاها الله. وقد نجعل من رؤية الله ولقائه عند سؤال الطفل المعتاد "أين الله؟" سببًا في جعل الموت لقاء لا فراقًا. والطفل يعتقد في إمكانية رجوع الموتى إلى الحياة، وهذا المعتقد ليس بعيدًا كل البُعد عن الحقيقة فهو واقعي إذا ما تناولناه من جانب الشريعة الإسلامية، حيث نوصل للطفل أن البعث حقيقي وأن القيامة شيء واقعي، فالموتى سيعودون للحياة من أجل دخول الجنة للصالحين الذين يسلكون السلوك الحسن، فاعتقاد الطفل بعودة الموتى للحياة يجب ألا يقابل بالاستهزاء أو التجاهل، بل يجب أن يستغل ويحوّل إلى عودة الموتى للحياة من أجل دخول الجنة وأن الجنة مكان جميل. على أن نوصل هذه المعلومات للطفل بشكل مشوّق عن طريق القصص القرآني وتفسير القرآن وضرب المثل بقصص الاستشهاديين، وغير ذلك حيث نركز على تصوير الجنة بشكل يجعل الطفل يتوق إليها بشدة ويعتبر الموت شيئًا جميلاً يوصلنا إليها. يعتقد الطفل أيضًا أن الموت لا يصيبه أو يصيب من يحبهم في مرحلة من مراحل حياته، وهذا الاعتقاد يعالج من خلال أساليب بسيطة خاصة الأدعية التي من المفترض أن نعلمها للطفل عند النوم؛ فيتعود الطفل على سماع احتمال موت الإنسان في أثناء نومه، حيث إن الأرواح تصعد عند الله تعالى فيمسك منها من يشاء ويرد منها من شاء. وهكذا يعرف الطفل أنه معرض هو وأحبته للموت في أية لحظة. إن تعويد الطفل على تحديد الأهداف من حياته ومعرفته بمدلول الآية الكريمة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون" ستجيب عن تساؤلاته حول معنى حياته والهدف منها، وغير ذلك من التساؤلات التي تحاصره في المرحلة الأخيرة لتطور مفهوم الموت عنده. وهناك أساليب أخرى يمكن للمربي الرجوع إليها، مثل: - ضرورة تعريض الطفل لخبرة الموت عن طريق تعرضه لموت نبات أو حيوان، مما يجعله يختبر الموت قبل أن يتعرض لموت أحد ما. - عدم التعامل باستخفاف مع حالة وفاة حيوان أليف يقوم الطفل بتربيته لما له من ارتباطات عاطفية معه، والتعامل مع هذا الموقف بشكل جدي يتعلم الطفل من خلاله التعامل مع الموت وحيثياته وإجراءات ما بعد الموت من جنازة ودفن وغير ذلك. - اصطحاب الأطفال في الجنائز والعزاء وصلاة الجنازة وغير ذلك من المناسبات المتعلقة بالموت، وتعويدهم على هذا المفهوم وما يحيط به من مشاعر وسلوكيات. - إجابة الأطفال على تساؤلاتهم بشكل إيجابي غير مخيف وغير مهول لمسألة الموت، مع مراعاة مراحلهم العمرية. - تمثيل مشهد الموت والإجراءات المتبعة بعد ذلك من خلال المسرحيات التي يكون الأطفال أبطالها. خلاصة القول: إن الموت ليس "تابو" نخفيه عن الأطفال بدعوى أنهم لا يفهمون أو أنه لا داعي لإدخال الهم والحزن عليهم فتلك الفكرة مغالطة ندفع ثمنها، ويدفعه الطفل قبلنا عندما يواجه موقف الموت.
عند الوفاة.. كيف نتصرف؟
عند الموت، يصبح الجو الأسري مشحونًا بالحزن والانفعال لما يصاحبه من بكاء وغيره من سلوكيات تجعل الموقف برمته جديدًا ومزعجًا للطفل، لكن رد فعل الطفل قد يكون خادعًا، حيث يتسم انزعاجه باللحظية، حيث نراه يلعب ويمرح تارة ويعود لانزعاجه مرة أخرى، فانفعالات الطفل تتسم بعدم الاستمرار وهي وقتية، مما يجعل المحيطين يعتقدون أن الطفل غير مدرك للموقف. ولكن علماء النفس يؤكدون أن استجابة الطفل للموقف بشكل واضح تأتي غالبًا متأخرة، فهو يألم ويحزن للفراق أيضًا مثله مثل البالغين لكنه عكسهم، يعتقد أنه يستطيع التأثير في القدر بحركاته وكلامه، سواء بشكل إيجابي عن طريق تحقيق الأمنيات أو بشكل سلبي عن طريق معاقبته. يجب على البالغين أن يفهموا الطفل كل الإجراءات التي تتبع الموت، ويحاولوا ما أمكن أن يشركوه فيها. ويقترح بعض علماء النفس أساليب تساعد في التعامل مع الطفل في هذا الموقف، مثل: - مشاركته في الجنازة ورؤية الجثة ووجه الميت إذا كان في حالة مناسبة. - مشاركته في العزاء والحداد وصلاة الجنازة وعدم إبعاده اعتقادًا أن ذلك سيحميه. - طرح أسئلة تخص الموقف والمساعدة في الإجابة عنها. - يجب أن يسمح للطفل بممارسة حياته الطفولية الطبيعية باللعب والمرح رغم مأساة الموقف. - الحديث مع الطفل حول أسباب الوفاة وملابساتها وعن الميت ومواصفاته. - الاهتمام بالطفل خلال هذه الفترة؛ لأن الطفل في هذه الفترة يكون منزعجًا وغير مرتاح. - إفهام الطفل أنه ليس السبب في الوفاة وليس بسبب خطأ صدر منه مات قريبه. - السماح للطفل بأن يعبر عن مشاعره وانفعالاته وبالبكاء إذا ما رغب في ذلك. - حماية الطفل من نظرات الشفقة، سواء من الغريب أو القريب. - إتاحة الفرصة أن يطلع على صور الميت والتسجيلات التي تخصه، كما يسمح له بالاحتفاظ ببعض ما يخص الميت. - الإجابة عن تساؤلاته في هذا الموقف بموضوعية.
حقيقة
يجب أن نعرف أنه ليس من الجائز أو المرغوب فيه إخفاء الموت عن الطفل.. إن حقيقة الموت هي جزء من حقائق الحياة، ومهما طال الزمن أو قصر سوف يصادفها الطفل في طريقه. إن الموقف الطبيعي من الموت يساعد الطفل على تقبل مفهومه بالتدريج وليس بالقلق الشديد. ومن أجل أن نكون قادرين على الاستماع إلى الطفل والإجابة على تساؤلاته، يجب أن نتعرف أولاً على قلقنا الشخصي تجاه الموت، وأن نستطيع الحديث عنه بحُرية، وهذا الموقف الصريح والمفتوح ييسر بشكل كبير الحوار مع الطفل إذا ما تعرض لموقف الموت أو فقد قريب
mero شباب منور اسلامنا
عدد المساهمات : 208 النشاط : 27551 تاريخ التسجيل : 30/12/2009